ما المقصود بفلسفة الرياضيات؟ ؟ للاطلاع
لا يعني مصطلح فلسفة الرياضيات ضربا من التفكير التخصّصي لا يشمل سوى ميدان الرياضيات من حيث هي ممارسة حساب وحل معادلات وبرهنة على نتائج رياضية محضة…او من حيث هي تندرج في سياق تاريخ العلوم عبر تاريخ ظهور وتطور النظريات الحسابية والهندسية في الثقافات الانسانية بدءا بالبابليين والمصريين و وصولا الى اليونانيين..فلسفة الرياضيات ترمي الى هدف اعمق من ذلك بكثير الا وهو خلق وفتح فضاء حر للتفكير الفلسفي وذلك من خلال استخراج كل المساليات المتصلة بخصائص النظريات والموضوعات الرياضية والتي تفتح على خصوصيات نقدية وعقلانية في سياق المنظومات والاطروحات الفلسفية بصورة عامة
فلسفة الرياضيات هي فضاء يلتقي فيه المفكر بالعالم والفيلسوف بالرياضي لتبادل وجهات نظرتهم وخبرتهم بصورة عامة حول مسائل متعدّدة تمس نظرية المعرفة والمنطق والانطولوجيا…التفكير في هاته المسائل من خلال دراسة المعرفة الرياضية يجعلنا نفهم بمنهجية افضل صياغاتها الفلسفية فنحسن طرحها ومحاولة الاجابة عليها… يقع الصدق في قلب الرياضيات. ان تكون الجمل الرياضية صادقة هو امر ضروري حتى وان كان هذا المفهوم مرتبط بقدرتنا على اعطاء براهين وحجج عقلانية ومنطقية. تعلمنا اذن الرياضيات كيف ان الحقيقة و الصدق هي مفاهيم يجب ان تظل في قلب بحثنا عن المعرفة وفي جوهر عقلانيتنا وانسانيتنا. بدون الحقيقة ينهار بناء المعرفة وتتهاوى اسسه…صدق القضايا الرياضية هو الطريق الواثق الموصل الى موضوعية الرياضيات كشكل من التفكيرالعلمي او ربما كجوهر كل خطاب علمي
بالاضافة الى الدور الكبير الذي يلعبه مفهوم الصدق فان الرياضيات ليست مجرد نظام او نسق رمزي محض صوري مجرد من كل محتوى معرفي ومن كل مضمون وجودي..هنالك في قلب الرياضيات شكل متميز من التفكير يوصلنا بعيدا عن التفكير الريبي والنسبي المقيت الى معرفة بنية العالم معرفة موضوعية …الرياضيات تمنحنا مضامين يقينية عن الظواهر وعن ا لواقع فهي ليست بالتالي ضربا من الرمزية التي لا تقول شيئا عن العالم مثلما ادّعى ذلك فيتغنشتاين
في مقال شهير تحت عنوان : التجريد والحدس الرياضي، لخّص جون ديودنيه زبدة تفكيره الفلسفي في الرياضيات . ليس من الصعب علينا ان نفهم ان القضية الجوهرية في فلسفة الرياضيات هي فهم وتفسير طبيعة التجريد وعلاقته بالحدس الرياضي. عن هذه المسأليّة الاساسية تتفرع عدة قضايا جد هامة منها على سبيل الذكر لا الحصر قضية علاقة الرياضيات بالمنطق. في هاته المقالة يعطي ديودنيه اهمية قصوى للخيال في العمل الرياضي الى درجة انه يحد من ضرورة استعمال الاساليب المنطقية في انجاز هذا العمل. يقول : المنطق هو اداة لا غنى عنها و مقلقة في ان واحد بالنسبة لعالم الرياضيات. نعلم جيدا كيف ان الرياضيين لا يحبذونها بصورة عامة. يجب حسن استعمال هاته الاداة لانها تسهل التحقق من البرهنة ومسايرتها وليس إنجازها
احدى خصوصيات تفكيره الفلسفي في الرياضيات هو معارضته للتيار التجريبي الذي يرى في التجربة الحسية المصدرالرئيسي الذي تنحدرمنه المفاهيم والموضوعات الرياضية. لا احد ينكر ان مصدر المفاهيم الاساسية في الرياضيات مثل الاعداد والفضاء الهندسي يكمن في التجربة وفي علاقتنا بالاشياء الخارجية من حولنا ولكن يجب ان نفهم العمل الرياضي مثلما فهمه بوانكريه من قبل اي على اساس انه قائم على اختيارات اعتباطية لها علاقة بتسهيل و تبسيط العمل ا لرياضي وانه من المستحيل ان تفرض علينا اية تجربة حسية اختيارا لبعض المسلمات الرياضية او الاوليات على انه الخيار الاوحد المطابق للواقع .في الحقيقة، لا يرى ديودنيه اي تعارض بين الحدس الرياضي والتجريد. على العكس يرى ان الاول يرتبط بالثاني من حيث تطوره وتقدمه اذ أنّه كلما ازدادت الاشياء تجريدا كلما كان الحدس ممكنا وقويا