يـقول بـرغسون" الحريــة واقعــة شعوريــة وليست مشكلـة تحــل"
♣ يكون الإنسان حر إذا صدر الفعل عن إرادتهالحرة الخالصة من كل قيد وإكراه أو إلزام ،لقد يجد الإنسان في مسألةالحرية وأراد أن يعرف هل هو حر أم لا ؟♦ الموقف الذي يمثله برغسون يرى بأنالإنسان مادام يقوم بأعمال يشعر انه صاحبها وان قام بها بمحض إرادته دليلكاف على انه حر ونحن نتساءل على انه حر هل فعلا الشعور بالحرية دليل علىوجودها ؟ لكن إذا كنا لا نستطيع أن ننفي وجود الحتميات المحيطة بنا كيفيمكن أن نجعل الشعور بالحرية شعورا حقيقا وليس وهما ؟ الإنسان عند برغسونحرا فالحرية عنده واقعة حقيقة ولا سبيل إلى إنكارها كيف يمكن حسب برغسونأن يتساءل على الإنسان هل هو حر أم لا ؟ وشعوره بها عند قيامه بالعملشهادة كافية على وجودها ؟ إن الشعور عنده كل ملكة الملاحظة ووسيلة الإنسانالأولى في التجريب ، إن الذات تشعر بأنها حرة وهذا الشعور واقعة أولية لايتسرب إليها الشك، لا يرد برغسون على الذين ينفون وجود الحرية فحسب وإنمايعارض أيضا الذين عملوا على إثبات وجودها بعد أن طرحوها كمشكلة فالحريةواقعة أولية لا تقبل البرهان عنده لان ما هو أولي هو نقطة البداية فيالبرهان ، كما أن البرهان ينطوي على علاقة ضرورية بين المقدمات والنتائجوالضرورة هي نقيض الحرية ولا يمكن أن نثبت وجود الحرية لنقيضها ، هكذاتكون الحرية عند برغسون موضوعا للشعور وليس موضوعا للعقل ، الأنا عندبرغسون مستويان الأنا السطحي المقيد بالحتمية أم السيكولوجي التي يسببهاضغط الظروف الاجتماعية وما يعانيه الفرد من رقابة في حياته اليومية، والناالعميق المتدفق بالأفعال الحرة المتجددة ، والتي لا يمكن التنبوء بنتائجها، يرفض برغسون البرهنة على وجود الحرية كما يرفض التنبوء بنتائجها لانالحرية عنده واقعة شعورية أوضح من كل الوقائع النفسية ليس برغسون الوحيدمن الفلاسفة من جعل من الشعور دليلا على وجود الحرية ، فالقديس أوغسطينقبله اثبت وجود الحرية بالشعور كذلك رأي ديكارت إن التجربة النفسية دليلعلى وجود الحرية وان شعور الإنسان بها دليل على إنها إرادة حرة قادرة علىتقبل الأمور، او رفضها كيف ماشاء ويعتبر ديكارت هذه الحقيقة من أكثر الأمرو وضوحا وبداهة ، كذلك فعل وليام جيمس حين رأى إن هذه القوة الفاعلة التينشعر بها بمثابة قوة مسيطرة نقول للشيء كن فيكن ومن الفلاسفة المسلمين نجدالمعتزلة يقول احدهم ( الإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل حسب الدواعيوالصوارف فاذا اراد الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن فلا ولا صلاحيةالقدرة الحداثة لإيجاد المراد بها أحس من نفسه ذلك" . غير إن الأبحاثالعلمية كشفت وجود حتميات كبيرة تحيط بالإنسان من كل جهة، منها الحتميةالاجتماعية والمتمثلة في العادات والتقاليد التي تحدد سلوكه بصفته فردايعيش في وسط مجتمع ، والحتمية النفسية المتمثلة خاصة في العقد النفسيةالتي تمتلئ ساحة الشعور إلى جانب الحتمية الفيزيولوجية والحتميةالفيزيائية الأمر الذي يجعل دليل الشعور يقول عنه برغسون لا يصمد أمامهافيكون الشعور بالحرية إلا وهما فقد لقدا ثبت الطب النفسي بان الكثير منالمرضي النفسانيين يسمعون أصواتا ويرون أشخاصا لا وجود لهم سوى في أذهانهمالمريضة ، كما أن شدة إيمان الشخص بأمر ما واعتقاده القوي قد يجعله يشعربه وكأنه موجود وهو في الحقيقة من صنع خياله، المتاثر بحالته النفسية قدآمن برغسون بالحرية فشعر بها إن رفض برغسون للطرح إشكالية الحرية على أساسإيمانه بوجدها لا يتسرب إليه ادنى شك ، موقف الدوغماتيك يغض بصره علىحقيقة وجود الحتميات براي سبينوزا ان جهلنا بالأسباب الحقيقة التي تسينرناهو الذي جعلنا نتوهم وجود الحرية. فالحجر يعتقد عند الجهل انه يسقط الىالأرض بمحض ارادته♦ لقد ذرح النسان مشكلة الحرية واقر وجود الحتميات التيتحدد سلوكه وحياته لكنها حتميات مناقضة للحرية كما كان يعتقد قدلار ماهيوسيلة لتحقيقها يقول ليبنز: إن الحتميات تعطي لنا الوسيلة والتي بها يمكنرفعها" وكان على الإنسان بصفته شغوفا بالحرية ان يجد طريقة للتغلب على هذهالحتميات فانكب على دراستها ليكشف عن علاقتها الثابتة التي تمكنه منالتحكم في اسبابها للتحكم في النتائج ولم يعد الإنسان اليوم يطرح إشكاليةوجود الحرية اوعدم وجودها ةلم يعد يتصور الحتمية كنقيضة للحرية لقد تعدىهذا الطرح الميتافزيقي التقليدي وإنما أصبح يبحث في الطرق التي تمكنه منالتحرر من الحتميات لتحقيق حريته فالحرية ليست موجودة لكي يبحث عنها وانماالحرية تتحقق بالعلم والعمل وجعل من الحتمية القاعدة التي ينطلق منهالتحقيق حريته، فهكذا فكلما عمل الانسان على تحقيق خطوة في عالم الحرية شعربها وكان شعوره بها شعورا حقيقا ناتجا عن العمل وليس وهما ناتجا عن التمسكبأفكار مسبقة تمسكا مطلقا وان كان تحرر الإنسان يبقى نسبيا نسبية معرفتهباسباب الظواهر ♥ وهكذا استنتج ان برغسون ومن ذهب مذهبه قد وقعوا في وهموان الشعور بالحرية ليس دليلا على وجودها بقدر ماهي دليل على الجهلبلاسببا الا اذا كان هذا الشعور مسبوقا بالعمل للتغلب على الحتميات بشرطإن يعرف الانسان ان هذه الحرية التي يحققها نسبية وليست مطلقة والواقع فيوهم أخر لا يختلف على الوهم وقع فيه برغسون .