[b]- مبدأ النظام في الطبيعة، أي الثبات وعدم الاستثناء. -
مبدأ الشمول الذي يعني أن كل الظواهر تنتظم حسب قوانين عامة.
وعن هذين المبدأين ينتج ما نسميه بالمذهب الحتمي. فالحتمية إذًا هي المبدأ
الذي يرتكز عليه العقل العلمي. ولقد بيّن “كلود برنارد” ذلك في قوله: إن
الحتمية هي مطلقة وكاملة فهي تنطبق على الأجسام الحية كما تنطبق على
الأجسام الجامدة. وهذا المبدأ الحتمي هو ضروري جدًا للعلم، ولا يمكن
للعالم أن يشك فيه. هذا يعني أن العلم التجريبي يجب أن يطرد كل معطى يناقض
هذا المبدأ. وهذا ما اقتنع به “غوبلو” حين قال: الطبيعة لا تخضع لا للصدف
ولا للأمزجة ولا للعجائب، كما أنها لا تتصرف بحرية كاملة.
فالعلم هو حتمي وإما أن يكون كذلك أو لا يكون حسب ما يعتقد “بوان كاريه”.
يقول “دوبروغلي” عن الحتمية الفيزيائية: بالنسبة لعالم الفيزياء نتحدث عن
الحتمية في المعرفة الفيزيائية حين تكون الأحداث التي نلاحظها في الحاضر
أو في المستقبل مربوطة بمعارفنا عن قوانين الطبيعة، مما يسمح لنا بأن نعرف
مسبقًا وبصورة دقيقة ومنضبطة أن هذه الظاهرة أو تلك ستحدث في هذا الوقت أو
في أوقات لاحقة متعينة.
ظلّ مبدأ الحتمية سائدًا وغير مشكوك بصحته حتى نهايات القرن التاسع عشر.
وكان العلماء والفلاسفة يعتبرونه منطلقًا يقينيًا وأكيدًا. وهذا ما صرّح
به “لابلاس” حين قال: علينا أن نتعامل مع الوضع الراهن للكون وكأنه الأثر
الناتج عن حالته السابقة من جهة أولى، وعلى أنه السبب الذي عنه تتأتى
حالته اللاحقة من جهة ثانية… فالعقل، بإنتاجه لقوانين العلم، قد وعى كامل
قوى الطبيعة المحركة للظواهر والمتحكمة بها. ولا شيء يستطيع أن يخرج عن
هذا اليقين العلمي، فالمستقبل كما الماضي هو حاضر في عيون العلم.
هذا التصور العلمي يقود إلى نزعة الجبرية كونه يعتبر أن المعرفة المسبقة
بما سيحصل (التنبؤ La prévisibilité) هي من خصائص العلم المنضبط الذي
ينطلق من منظومة محددة ويتنبأ بما سيحدث في المستقبل.
الحتمية، الصدفة، الاحتمال:
خلافًا لهذا التصور الحتمي المبسط، يوجد في الطبيعة حالات في غاية
التعقيد، يصعب علينا فيها التأكد من خضوعها لمبدأ الحتمية. وهذا ما يدفعنا
إلى القول بالصدفة، إذ يجد العالم نفسه أحيانًا أمام مسائل معقدة، تتشابك
فيها الأسباب والعوامل، مما يجعل التفسير الحتمي غير قابلٍ لاستيعابها.
وهذا بالتحديد ما نطلق عليه تسمية الصدفة.
بالنسبة للعالم فإن مفهوم الصدفة هو مختلف عن الفهم الشعبي الساذج.
فالصدفة ليست غيابًا للحتمية بل هي نوع من عدم التحديد أو التقاطع أو
التشابك في الأسباب المنتجة للحدث.
يكتب “اميل بوريل” في هذا الصدد أن الظاهرة التي نطلق عليها تسمية الصدفة
تخضع لمجموعة معقدة من الأسباب لا يمكننا تحديدها بالكامل ولا دراستها
بصورة مكتملة. فعلى سبيل المثال فإن الصاعقة التي تضرب بناءً حديثة في
لحظة تدشينه وافتتاحه، نعتبرها محض صدفة. ولكن هل يعني ذلك أن قوانين
الكهرباء قد أصابها الخلل؟ بالتأكيد لا، إلاّ أنّ التقاء مجموعتين من
الأسباب المستقلة الواحدة منهما عن الأخرى، أي ترافق سقوط الصاعقة مع لحظة
الافتتاح، يجعلنا نتحدث عن الصدفة. وهذا هو رأي “كورنو” الذي اعتبر أن
الصدفة هي نتيجة لتلاقي سلاسل مستقلة من الأسباب، وليست ناتجة عن جهل
الإنسان، ولا هي مناقضة لمبدأ السببية، بل إنها مظهر من مظاهر السببية
ذاتها، نجده في الحوادث المادية والظواهر البشرية.
ولتوضيح ذلك نفترض أن صديقين التقيا اتفاقًا وعرضًا. فإن لكل منهما أسبابه
التي دفعته إلى نقطة اللقاء. فأحدهما كان ذاهبًا لزيارة أحد أقاربه،
والآخر كان على موعد مع طبيبه، فسلسلة الحوادث التي قام بها الصديقان، كل
من جهته، كانت حتمية، أما التقاء هاتين السلسلتين فقد كان صدفة واتفاقًا،
وهذا يعني أن الصدفة تعني التقاء سلسلتين من الأسباب، ولا تعني غياب
الأسباب.
والأمر نفسه يطالعنا في المثال التالي: السيد “ديبون” تألم من أسنانه
وأراد أن يذهب إلى طبيب الأسنان. هذه مجموعة أولى. والطريق التي يسلكها
للوصول إلى الطبيب فيها منزل قديم على سطحه واحدة من أحجار القرميد قد
تصدعت وأصبحت قابلة للسقوط. عندما وصل السيد “ديبون”، وقعت هذه القرميدة
على رأسه فمات. بالتالي فإن التقاء هاتين المجموعتين شكل ما نسميه بالصدفة
خاصة وأن واحدة منهما تختص بالإنسان. فلو فرضنا أن القرميدة وقعت على حجر
لما استطعنا أن نتحدث عن الصدفة.
وإذا كانت الصدفة هي نتاج لتشابك معقد من الأسباب، فإن بعض العلوم حاولت
أن تعتمد على حساب الاحتمال لكي تكشف عن بعض السببيات المعقدة. ويستند
حساب الاحتمال على معاينة عدد كبير من الظواهر للوصول إلى نتيجة. وقد
استخدمت هذه الحسابات على سبيل المثال في العلوم الاقتصادية وفي الجغرافيا
وغيرهما..
ففي الجغرافيا ندرس متوسط الأعمار، وفي الاقتصاد تتم دراسة الدخل السنوي
للفرد، ولكن لا يخفى على أحد أن هذه الدراسات تدور في حقل من العمومية لا
ينطبق على كل حالة من الحالات بمفردها. فلا أحد على سبيل المثال يستطيع أن
يعرف اللحظة التي سيموت فيها أحد الأفراد. لكن مع ذلك يبقى مفيدًا الحصول
على هذه الإحصاءات، إذ بالإمكان استثمارها من الوجهة العملية. وهذا ما
تقوم به على سبيل المثال شركات التأمين التي تأخذ بعين الاعتبار هذه
الحسابات قبل أن تتعاقد مع الأشخاص الذين يرغبون بالتأمين على الحياة.
وبالرغم من أن حسابات الاحتمال ليس لها أي تفسير سببي واضح، إلا أنها
تعتمد على حتمية مخبوءة تنكشف من خلال الاعتماد على قانون الأعداد الكبرى.
وهذا ما يقوله “مارش”: إن قانون الأعداد الكبرى لا يستنتج إلا من افتراضات
حتمية.
فعلى سبيل المثال نحن نعرف أن حجر اللعب في الرولات يقذفه اللاعب وهو إما
أن يصيب الأحمر أو الأسود. ولا يوجد أي قانون يمكنه أن يتنبأ مسبقًا
بإصابة واحد من اللونين. ولكن إذا قمنا بعشرة آلاف ضربة متتالية، نكون على
يقين تام بأن نصف الضربات سيكون أحمرًا والنصف الآخر أسودًا. وكلما ازدادت
الأعداد بالكبر، تصبح الحتمية قريبة من اليقين والضرورة.
ونذكر بأحد الأمثلة الشهيرة لـ “بوريل” حيث يقول: إن احتمال انقلاب الماء
التي نصبها على النار إلى ثلج، هو شبيه تمامًا باحتمال انقلاب اللعب
بالإشارات والحروف على لوحة مفاتيح الكمبيوتر إلى موسوعة علمية مرتبة في
أبوابها وموضوعاتها.
وإذا كانت الرياضيات تقيس الصدفة عن طريق حساب الاحتمالات بتحديد فرص وقوع
حادث ما عن طريق الصدفة، فلا يعني ذلك أن حساب الاحتمالات والإحصاء هو
حساب للصدفة، بل هو بيان لحتمية مجهولة جزئيًا، وافتراض لوجود حتمية وراء
الظاهرة التي حدثت صدفة. فحساب الاحتمالات يطبق على الطبيعة إذا أعوزتنا
معرفة الوقائع معرفة حتمية، إما بالنظر لصغر العوامل أو لسرعتها أو
لتشابكها. لذلك لا يصح القول أن حساب الاحتمالات يشكل انتقادًا لمبدأ
الحتمية.
الحتمية والغائية
إن دراسة الصدفة والاحتمال تردنا إلى نزعة حتمية تتأسس عليها علوم
التجريب. ولكن هناك ما يدعونا إلى الافتراض أن ظواهر الحياة بدورها هي
محكومة بهذا المبدأ الحتمي؛ فالقوانين الخاصة بالولادة ونموّ الجسد ثم
الشيخوخة هي قوانين فرضت نفسها على العقل الإنساني منذ القديم. كذلك فإن
التعب والأمل وحاجات الأكل والشرب هي ضرورات أو علاقات سببية محكومة
بالحتمية على غرار ما يشاهد في الظواهر الجامدة غير العضوية. فالإنسان كما
يقول “بوانكاريه” محكوم بقوانين الحتمية، وقبل أن يكتشف السماء والقوانين
الفيزيائية، فإن الإنسان اكتشف الحتمية في نفسه عبر الجوع والموت.
مع ذلك فإن طبيعة الكائن الحي واستقلاله الذاتي وفردانيته لا تبدو خاضعة
تمامًا لمبدأ الضرورة مثلما يخضع لها الحجر الذي يسقط أو الماء الذي
يتموّج. فأعضاء الكائن الحي تتمتع ببنية وظيفية، فالحيوان يتكيف مع محيطه
ويتمتع بأدوات تسهّل له هذا التكيف المدهش: إنها أعضاؤه الجسمانية ذات
الوظيفة الغائية. فالأجنحة تسمح له بالطيران والمنقار والأنياب يشتغلان
بتقطيع الطعام. والعين ليست كتلة لحمية، بل لها وظيفة أو غاية هي الرؤية.
وكذلك فإن كافة الأعضاء تعمل على توازن الكائن الحي مع محيطه.
وهذه الأمور تبيّن بوضوح أن الحتمية التي ترأس تكوين الأعضاء ووظيفيتها
وغائيتها ليست حتمية عمياء، بل هي حتمية تتصف بالغائية. لذلك يرى
“لاشولييه” أن الحتمية لوحدها غير كافية لمعاينة وتفسير علوم الحياة، بل
يجب أن نضيف إليها مبدأ الغائية. فالغائية مبدأ يصدق على الأجسام
الكيميائية تمامًا كما يصدق على الأجسام الحية.
ما هو إذًا مبدأ الغائية؟
إن بعض العلماء من أصحاب النزعة الحتمية من مثل “كلودبرنارد” يقرون بوجود
“فكرة موجّهة” أي مبدأ غائي يتحكم بالظواهر. والفلاسفة الإلهيون يعتقدون
بدورهم أن النظام المشاهد في ظواهر الحياة هو من نتاج الإرادة الإلهية
التي خلقت الأجسام الحية وجهّزتها بالغائية.
والفيلسوف “تيار دوشردان” يضفي على أشكال الحياة البسيطة شيئًا من
الروحانية. وبدوره “ألكسي كاريل” يجد أن عضو الرؤية = (العين) يفصح من
تلقاء ذاته عن العقل الكامن =(الروح الإلهية) في خلايا وأنسجة العين.
كل هذه المواقف الفلسفية ترتكز على اعتبارات ميتافيزيقية، وتتبنى وجود سبب
متعالي روحاني يتجاوز كل التفسيرات العلمية التي تحاول فقط الاكتفاء بوصف
الظواهر والجزئيات. وإذا كانت التفسيرات الغائية قد تراجعت أحيانًا أمام
التقدم العلمي، فهذا لا يدلّ على أفضلية العلم، وإنما هو نوع من الحذر حتى
لا نخرّب بأيدينا معارفنا وعلومنا الجزئية.
وهناك فلسفات تحاول أن تنقض مبدأ الغائية من أساسه، وتحاول أن تبرز
الثغرات التي تعتري هذا المبدأ. وتستند هذه الفلسفات إلى بعض الذرائع التي
تدعي أنه يوجد في أجسامنا بعض الأعضاء غير النافعة من مثل الزائدة الدودية
وأضراس العقل.
الحتمية واللاحتمية:
تعتبر الفيزياء التقليدية أن مبدأ الحتمية هو حقيقة مطلقة خاصة في المجال
الماكروسكوبي. لكن الانتقال الفيزيائي إلى المجال الميكروسكوبي = (عالم
الذرات والإلكترونات) مع بداية القرن العشرين، أفضى إلى الشك في مبدأ
الحتمية.
ويبدو أن مبدأ اللاحتمية قد وجد سندًا له في الفيزياء الحديثة لدى بعض
العلماء من مثل “هيزنبرغ” الذي رأى أن قوانين الميكانيك الكلاسيكية
المطبّقة على العالم الأكبر (عالم المركبات) لا تنطبق على العالم الأصغر
(عالم اللامتناهي في الصغر). وهذا ما أكّده “هايزنبرغ” عندما استحال عليه
التحقق على وجه الدقة من وضع الجسيم وسرعته في آن واحد. وفي هذا مخالفة
تامة لما كانت تفترضه الفيزياء التقليدية.
وللتعبير عن هذا اللاتحديد ابتدع “هيزنبرغ” علاقة الارتياب =( عدم التحديد Relation d’incertitude
وإذا كانت الفيزياء الكلاسيكية تقوم على أساس أن الكون والظواهر الطبيعية
تخضع بداهة لحتمية دقيقة كما يرى “بوانكريه”، فإن الفيزياء الحديثة =
(الميكروفيزياء) لا تسمح لنا بالقول بحتمية دقيقة تتحكم بالإلكترون وعالم
الذرة. لذلك فإن التفسير العلمي المعاصر يستبدل الحتمية بالاحتمال
والتقدير التقريبي وأحيانًا بالإحصاء، إذ ليس من دقة يقينية تعبّر عن موقع
وسرعة الإلكترون، لأننا بمقدار ما نقترب من تحديد موقع الإلكترون نبتعد عن
تحديد سرعته، والعكس صحيح.
وهكذا نجد أن تطور الفيزياء من فيزياء قديمة إلى فيزياء معاصرة
(ميكروفيزياء) أدى إلى تطور مفهوم الحتمية عن طريق الانتقال من العالم
الأكبر إلى العالم الأصغر مما أدى إلى القول بحتمية جزئية بدل الحتمية
الكلية التي افترضها “لابلاس”.
لكن هذا الفهم الجديد للحتمية لا يستطيع بأي شكل من الأشكال أن ينقلب إلى
إيمان بلا حتمية مطلقة وكاملة، لأن مثل هذا الاعتقاد يزعزع المعارف
والعلوم، ويؤدي إلى انفلات الظواهر من أية قوانين أو تفسيرات علمية تضبطها.
ولذلك فإن أول من اعترض على القائلين باللاحتمية هو الفيزيائي “أينشتاين”
الذي اشتهر بجملته “لا أعتقد أن الله لعب بالنرد مع البشر”. فاللاحتمية
بالنسبة له هي حل مؤقت وآني لأن التقنية لم تمنح العلم بعد الأدوات
الدقيقة والكافية للكشف عن الحقائق. ولذلك فإن الشك وعدم الثبات
واللاحتمية ستبقى من المبادئ التي تتأسس عليها نسبوية العلوم.
مفهوم الأنا و الغير
تقديم إشكالي:
إن كون الشخص أنا وعية حرة مسؤولة أخلاقيا و قانونيا ، أي ذات تملك الوعي
و الحرية إرادة لا يعني انه قادر على العيش وحيدا منعزلا على الآخرين .
فالشخص كائن اجتماعي لا يستطيع العيش خارج الجماعة بل هو في حاجة إليها
لتحقيق ذاته و الوعي بها . فالغير ضرورة ملحة بالنسبة للأنا فحضوره مسألة
أساسية و ملحة لإكمال وعي الأنا بذاتها و الوعي بوجودها . فكيف يتحدد وجود
الغير إذن هل يمكن للأنا أن تعيش بمعزل عن الغير أم أن وجوده مشروط بوجود
الغير ؟
هل يمكن معرفة الغير ؟ هل معرفته ممكنة أم مستحيلة ؟ ماهي طبيعة العلاقة بين الأنا و الغير ؟
هل هي علاقة تكامل و تواصل أم علاقة تنافر وصراع؟
- العدم : عكس الوجود (لاشكل و لا لون، غير محدد ....)
- الوجود بالذات ، الوجود المادي كشيء .كموضوع دون وعي.
- الوجود للذات ، الوجود الواعي كذات واعية تعني وجودها ووجود الغير و العالم الخارجي
وجود الغير:
إن وجود الغير يجد جذوره في الفلسفة اليونانية من خلال مجموعة من المفاهيم
التي أنتجتها مثل مفهوم التطابق أو الهوهو في مقابل الاختلاف و الوحدة في
مقابل الكثرة أن اليونان لم يبلوروا مفهوم الغير باعتباره أنا اخربل
اعتبروه كل ما ليس ومخالف للذات . فالتقابل بالنسبة إليهم كان بين اليونان
من جهة و الشعوب الأخرى وبين الإنسان و العالم الخارجي .
فلم يتبلور هذا المفهوم بالمعنى الحديث إلا مع فلسفة هيكل في مقابل الفلسفة الذاتية لديكارت .
ديكارت : الفلسفة الذاتية
يؤكد ديكارت أن وجود الإنسان كقوة فاعلة متميزة عن غيرها من الكائنات لا
يتحقق إلا بملكة التفكير التي تتيح له الوعي بذاته و بالآخرين. فالتفكير
دليل وجودي على وجود الذات ما دام الشك تفكير وما دام التفكير لا يمكن أن
يصدر إلا عن ذات موجودة "أنا اشك ،أنا أفكر ، إذن أنا موجود " و الشك عند
ديكارت منهجي فهو سبيل إلى اليقين و الشك تفكير و التفكير دليل على وجود
الذات . وبهذا يخلص ديكارت إلى أن الأنا أفكر " cogito حقيقة يقينية
بديهية يقينية لا يمكن الشك فيها و ليست في حاجة إلى وساطة الغير لإثباتها
مما يجعل الأنا عند ديكارت حقيقة يقينية و ذات منعزلة مستقلة ومنغلقة أما
الغير فوجوده افتراضي احتمالي . فالأنا تعي ذاتها بذاتها وتدرك وجودها من
تلقاء ذاتها لذلك فالأنا ليست في حاجة إلى وساطة الغير لتأكيد وجودها
ووعيها بذاتها
لكن أليس عدم اليقين من وجود الغير ، هو عدم يقين من وجود الذات و عدم امتلاك وعي كامل بها ؟
هيجل hegel
ادا كان ديكارت يعتبر الأنا ذاتا منغلقة منعزلة مستقلة عن الآخرين تكفي
بذاتها مما يجعلها كيانا ميتافيزيقيا مجردا مطابقا لذاته يعيش في عزلة
مطلقة عن العالم و الآخرين . فإن هيجل خلافا لذلك يعتبر الأنا ليست معرفة
جاهزة أو معطى طبيعي فمعرفته لذاته لا تتحقق إلا من خلال الغير عبر
الانفتاح وتجاوز التقوقع و الانغلاق. فالأنا تغادر انغلاقها لتنفتح على
الغير لتنتزع منه الاعتراف بها كذات واعية حرة . إلا أنها تصطدم برغبة
الغير الذي يرغب في نفس الرغبة أي انتزاع الاعتراف به كذات واعية حرة مما
يؤدي إلى أن يغامر كل منهما بحياته في عملية صراع ينتهي بتنازل احد
الطرفين عن حريته و إرادته حفاظا على حياته ، فيقبل أن يتحول إلى موضوع
وشيء أي إلى أداة فيكون وجوده من اجل الآخر أي وعيا خاضعا تابعا (أي عبدا)
بينما يتشبث الطرف الآخر بحريته و إرادته ويفضل الموت عن التنازل عنهما
فيكون وجوده وجودا لذاته فيتحقق وعيا خالصا وبذلك يكتمل وعيه بذاته .
استنتاج
- إذن فالوعي بالذات يتطلب تجاوز انغلاق الذات على ذاتها و الخروج نحو
الآخر و الانفتاح عليه لأن وعيها لا يكتمل إلا باعتراف الآخر و بذلك فوجود
الغير ضروري لوجودالأنا و مكون له و ليس مجرد وجود افتراضي احتمالي كما
يرى ديكارت .
- إذا كان ديكارت قد انطلق من تجربة الشك ليضع الأنا الذي يشك أي يفكر في
عزلة وجودية مطلقة لا تحتاج إلى وساطة الآخرين و العالم الخارجي لإدراك
وجوده و الوعي به فالأنا أفكر حقيقة يقينية في حين يعتبر وجود الغير وجودا
احتمالي افتراضي و إذا كان هيكل يعتبر أن اكتمال وعي الأنا بذاته يقتضي
خروجا للذات من انغلاقها و انفتاحها على الغير لانتزاع الاعتراف بها منه
كذات واعية حرة . إلا أن هذه الرغبة تصطدم برغبة الغير فهو يرغب في نفس
الرغبة أي انتزاع الاعتراف به كذات واعية حرة. مما يؤدي إلى الصراع
والمواجهة و المغامرة بالحياة لينتهي هذا الصراع بتنازل احد الطرفين عن
حريته وإرادته فيقبل حفاظا على حياته ليتحول إلى موضوع وشيء أي أداة فيكون
عبدا . أما الطرف الثاني يفضل الموت على التنازل عن حريته وإرادته فيكون
سيدا أي وعيا خالصا.
وهذا ما يسبب هيجل جدلية العبد و السيد أما سارتر فيؤكد أن الغير ليس شيئا
وموضوعا بل هو أنا آخر أي الأنا الذي ليس أنا ، فوجوده شرط ضروري لوجود
الأنا فلا يمكن للانا أن يعي وجوده وقيمته إلا من خلال الغيرو بواسطته ،
غير أن نظرة الأنا للغير تحوله إلى موضوع وشيء ونفس الشيء بالنسبة لنظرة
الغير للأنا مما يؤدي إلى علاقة صراع ومواجهة من خلالها يتمكن الأنا من
تحقيق حريته و التعالي على وجوده لكل هل معرفة الغير ممكنة ام مستحيلة
؟يقينية ام تقريبية ؟
مالبرنش emalabranche
يؤكد مالبرانش أن معرفة الغير من طرف الأنا هي معرفة تخمينية تقريبية و
ليست معرفة يقينية . لأن الأنا لا يستطيع أن تنفذ إلى أعماق الغير لإ دراك
حقيقة مشاعره وعواطفه و أحاسيسه وانفعالاته ، فهو يقوم بعملية إسقاط أي
يسقط عليه ما يحس به ويشعر به انطلاقا من مبدأ المماثلة وبذلك يخلص
مالبرانش إلى أن معرفة الأنا للغير تظل معرفة تقليدية احتمالية وليست
يقينية.
لكن هل معرفة الغير فعلا مستحيلة،ألا يمكن أن تكون هناك معرفة يقينية ممكنة انطلاقا من التواصل معه ومشاركته للوجدانية ؟
ميرلوبونتي :
يؤكد ميرلوبونتي خلافا لما لبرنش أن معرفة الأنا للغير ممكنة وليست
مستحيلة فكل منهما يمتلك جسدا ووعيا ويتقاسما الوجود في نفس العالم مما
يفرض على كل منهما الاعتراف بالآخر و التواصل معه، ولعل اكبر دليل على هذا
التواصل هو اللغة وبذلك يستطيع كل طرف منهما أن ينفذ إلى أعماق الآخر
ويشاركه عاطفيا ووجدانيا وهكذا تصبح معرفة الأنا للغير ممكنة وليست
مستحيلة، يقينية وليست تخمينية و أن العلاقة معه ليست دائما علاقة صراع
ونفي وعذاب بل قد تكون أيضا علاقة اعتراف وتواصل وصداقة مما يجعل هذه
العلاقة غنية ومتعددة. فما هي إشكال هذه العلاقة إذن وما هي الاسسس التي
تقوم عليها ؟
نيكولاس مالبرانش : فيلسوف فرنسي من إتباع العقلانية الديكارتية 638 م رجل
لا هوت وفلسفته من مؤلفاته – البحث عن الحقيقي – تأملات ......
الغيرية : تميل نحو الغير وتضحية بالمصلحة الشخصية من اجله فهي نكران الذات ، و الإيثار // الأنانية و الذاتية altrmismé
العلاقة مع الغير:
هل علاقة تكامل وتواصل أم علاقة صراع وتنافر؟
أرسطو
يؤكد أرسطو أن الصداقة ضرورة بشرية لا يمكن الاستغناء عنها ويصنفها إلى
ثلاثة أنواع : صداقة المتعة وصداقة المنفعة وكلاهما مجرد وسيلة لتحقيق
المتعة أو المنفعة مما يجعل هذا النوع من الصداقة صداقة زائفة زائلة فهي
تزول بزوال المتعة و المنفعة أما النوع الثالث فهي صداقة الفضيلة وهي
الصداقة الحقيقية لأنها غاية في حد ذاتها لأنها تؤسس على محبة الآخر لذاته
مما يجعلها صداقة مبنية على الفضيلة و المحبة و الوفاء وهي صداقة دائمة
مستمرة لأنها غاية وليست وسيلة إلا أنها ناذرة. فلو كانت شائعة بين الناس
لاستغنوا عن القوانين و التشريعات لما يترتب عنها من علاقة أساسها المحبة
و الاعتراف المتبادل و الاحترام .
فإلى أي حد يمكن للعلاقة مع الغير أن تتأسس على المحبة و الاعتراف المتبادل و التضحية ونكران الذات؟
* اوغست كونت
اإلى أي حد يمكن أن تقوم العلاقة بين الأنا و الغير على نكران الذات والتضحية و الغيرية .
يؤكد اوغست كونت أن العلاقة مع الغير إذا تأسست على الغيرية ونكران الذات
و التضحية من اجل الغير فإن ذلك يؤدي إلى ترسيخ مشاعر التعاطف و المحبة
بين الناس فتحقق الإنسانية غاياتها الكبرى وهي نشر قيم العقل و العلم و
التضامن و الاستقرار مما سيسمح بتطوير الوجود البشري . فالغيرية فضيلة
أخلاقية وقيمة مثلى يتجاوز فيها الإنسان أنانيته وذاتيته وينتصر على
غريزته فيحيى من أجل غيره وبذلك تنشأ بين الأنا و الغير علاقة نبيلة تقوم
على نكران الذات و التضحية .
* استنتاج
إذا كان أرسطو يؤكد أن الصداقة ضرورة بشرية لا يمكن الاستغناء عنها لأي
كان كيفما كان فالإنسان في حاجة ماسة إلى صديق يشاركه أحزانه و أفراحه
وإذا كانت الصداقة الحقيقية هي الصداقة المبنية على المحبة المتبادلة وعلى
الفضيلة الأخلاقية مما يجعلها غاية وليست مجرد وسيلة لتحقيق المنفعة أو
المصلحة مما يجعل هذه الصداقة تساهم في نشر القيم الأخلاقية السامية بين
الأفراد . فإن اوغست كونت يؤكد أن الإنسانية تقوم على الغيرية وتجاوز
ذاتيته ونكرانها من اجل التضحية من اجل الغير وبذلك فالعلاقة مع الغير
ليست مجرد علاقة صراع ومواجهة ونفي وتنافر بل قد تقوم كذلك على الاعتراف
المتبادل و التواصل و الاحترام و الصداقة بل و التضحية من اجل الآخر مما
يجعل العلاقة مع الغير متعددة الأبعاد متنوعة ومختلفة وغنية لا يمكن
اختزالهما في شكل دون آخر لأن الإنسان ظاهرة متعددة الأبعاد .
مقالة« إن معرفة الغير تقتضي مني التعاطف معه ».
حلل أطروحة القولة وناقشها
· الإجابة:
الغير هو الأنا الذي ليس أنا، أي الذات التي تشبهني وتختلف عني، إنه الآخر
الذي يتميز بخاصية الوعي وكونه ذات عملية أخلاقية. انطلاقا من هذا، هل
يمكن معرفة هذا الغير باعتباره أنا أخرى؟ وما هي السبل التي تمكنني من
معرفة هذا الغير؟ وإذا كان هناك من يرى بأن معرفة الغير مستحيلة، فما هي
الحجج التي يمكن أن نعتمدها لإثبات مثل هذا الموقف؟ وهل يعتبر التعاطف مع
الغير شرطا ضروريا لمعرفته؟
تدافع القولة على أطروحة مفادها أن معرفة الغير ممكنة تحت ظل التعاطف معه.
فما معنى معرفة الغير؟ إن المعرفة نشاط من أنشطة الوعي والعقل تنتقل من
الوسط الخارجي إلى بؤرة الإدراك، فيكون المرء معرفة تجاه موضوع أو ذات ما.
والمقصود بمعرفة الغير سبر أغوار شخصيته المختلفة عني. فمعرفة الغير تعني
أني أدركه على الوجه الذاتي بالدرجة الأولى وليس على المستوى الإمبريقي،
لأن معرفة الغير انطلاقا من الشكل ستجعله موضوعا كما هو الحال بالنسبة
لباقي أشياء الطبيعة؛ سيكون إدراك شكلي من حيث كونه موضوعا فقط.
ويرى صاحب القولة أن أساس معرفة الغير هو التعاطف معه. فما المقصود بالتعاطف مع الغير من أجل تحقيق معرفة به؟
عندما أدخل في علاقة مع الغير أجد نفسي بطريقة أو بأخرى أحاول إدراكه
ومعرفته.ومن المفروض أنني أثناء تواصلي مع الغير سأتلقى منه ما هو إيجابي
وما هو سلبي. ففي الحالة التي أتلقى منه رد فعل غير مرضي بالنسبة إلي
فيغضبني، فإنه يكون لزاما علي أن أتعاطف معه أي أتسامح معه، لكي لا أوقف
التعارف معه ويتواصل التعارف بيننا.
إذن فأساس معرفة الغير يقتضي ويستلزم مني بالضرورة التسامح معه.
نلاحظ أنه بالضرورة هنا، كشرط لهذا التسامح والتعاطف مع هذا الغير، قد
يكون هذا الشرط هو وجود عاطفة حميمية تربطني به. فإذا تأملنا جيدا سنرى
أنه ليس كل الغير يمكن أن نخضعه لهذه المقولة. ألا يبدو أن هناك ما يستحق
تعاطفنا معه دون الآخر؟ بمعنى آخر هناك فئة من الغير هي التي نتعاطف معها
من أجل معرفتها. فمن تكون هذه الفئة؟
فبحسب البعد الفلسفي الذي يمكن استنتاجه أنه ليس الكل مؤهل لهذا التعاطف،
بل هناك البعض وهم الأشخاص الذين نكن لهم عاطفة الحب. فبالرغم من كوننا
ندخل معهم في جدال وصراع إلا أننا نجد أنفسنا مجبورين على التسامح
والتعاطف معهم، رغبة في تحقيق التواصل من أجل المعرفة. لكن إذا ما كان هذا
الغير غير ذي مكانة عاطفية بالنسبة إلينا، فإننا قد نتسامح معه ولكن ربما
نوقف تعاطفنا معه. ومثال على ذلك علاقة بينني وبين زميلتي أحبها وأكن لها
عاطفة نبيلة، فأجد رغبة جامحة في معرفتها؛ حيث حينما تتاح لي الفرصة أبذل
كل جهدي لمعرفة ذاتها وفكرها. لكن عندما يصدر عنها فعل لا يرضيني، فإنني
أكون مضطرة للتسامح معها، وتتم عملية التعارف بيننا ونتمكن من معرفة بعضنا
البعض.
فهل معيار التعاطف مع الغير من أجل معرفته نموذجي؟ وهل هناك من الفلاسفة من يعارض جعل هذا التعاطف أساسا لمعرفة الغير؟
بالموازاة مع موقف صاحب القولة، نجد أن هناك من الفلاسفة في الضفة الأخرى
من يرى أن معرفة الغير غير ممكنة، وعلى سبيل المثال الفيلسوف سارتر الذي
أكد انطلاقا من تعريف الغير باعتباره « الأنا الذي ليس أنا»، أن معرفة
الغير غير ممكنة لسبب رآه مقنعا هو أن المسافة الفاصلة أو الفاصل المادي
الذي يفصل بيني وبينه يحول دون معرفتي له، فلا يبقى بوسعي معرفته إلا على
مستوى الشكل والمادة، فأدركه إدراكا إمبريقيا من حيث الشكل فقط. فهذه
الخاصية ستجعلني أنظر إلى الغير على أنه مجرد مادة أو جسد، وبالتالي أدخل
معه في علاقة تشييئية؛ هو يراني كموضوع وأنا أراه كموضوع مثل العلاقة
المكانية الموجودة بين المواد والأشياء، وبهذا أكون قد حولت الغير إلى
موضوع مما يدل على أن العلاقة بالغير هي علاقة تشييئية. والأمر نفسه نجده
مع الفيلسوف مالبرانش الذي يؤكد بصفة جازمة على ان معرفة الغير غير ممكنة
انطلاقا من ذواتنا. فما المقصود بمعرفة الغير انطلاقا من ذواتنا؟
هناك بديهيات ومسلمات أدركها تمام الإدراك وأعرف أن الغير يدركها ايضا،
يعني أنني أعرف الغير انطلاقا من ذاتي. فمثلا أنا أعرف أن أربعة هي حاصل
2×2 والغير يعرف هذا أيضا، وأشعر بالبرد إذا كان الجو قارسا أو أشعر
بالحرارة إذا كان الجو حارا فأعرف أن الغير كذلك يحس بنفس الشعور. لكن
غالبا ما تخطئ حواسنا لأن هناك من الإحساسات التي نشعر بها لا توافق شعور
الغير البتة. فمثلا عند موت أب صديق لي، فأنا أعرف أنه يشعر بالألم والحزن
لكن هل أدرك قدر ذلك الألم بالدرجة نفسها؟ وهل أعرف أنه يشعر حقا بالألم؟
ماذا لو كان هذا الأب قاسيا معه وأثناء موته ارتاح منه؟ إذن فإنه لا يمكن
معرفة الغير انطلاقا من ذواتنا.
أما بالنسبة للفيلسوف ميرلوبنتي، فإنه يرى بأن معرفة الغير ممكنة إذا
توفرت الرغبة في التواصل معه. يرى هذا الفيلسوف بأن الرغبة في التواصل هي
في حد ذاتها نوع من التواصل، وإذا امتنعنا عنه فإننا نمتنع عنه بإرادتنا
ولأسباب معينة، مما يعني أن التواصل ممكنا في الأصل. ويرجع ميرلوبنتي
النظرة التشييئية التي يفترض سارتر أنها تحد من إمكانية معرفتي للغير إلى
عدم الرغبة في معرفة هذا الغير، وبالتالي هي مجرد انطباع لا يمكن اعتباره
حجة ضد عدم إمكانية معرفته.
إن معرفة الغير تقتضي حسب ميرلوبنتي التعاطف معه، عن طريق مشاركته عواطفه
ومشاعره ومعاناته، والاعتراف به كذات أخرى نتآخى معها ونعاملها معاملة
إنسانية تليق بها كذات واعية وأخلاقية. ولذلك انتقد ميرلوبنتي سارتر ورأى
أن النظرة التشييئية للغير تجعلني نفقده كرامته ونتعامل معه كحشرة.
ويرى ميرلوبنتي أن اللغة هي وسيلة أساسية لتحقيق أواصر التعاطف بيني وبين
الغير، وربط جسور التواصل بيننا؛ إذ أن اللغة هي التي تمكن الغير من البوح
بمشاعره وأفكاره وتعريفي بها.
إذا كان التعاطف إذن هو أحد السبل المؤدية إلى معرفة ذات الغير، فإنه لا
يكون إلا حينما تسود علاقات الود والتآخي والاعتراف المتنبادل بيني وبين
الغير، أما إذا انعدمت هذه الروابط فإن معرفة الغير عن طريق التعاطف تصبح
غير ممكنة.
نستخلص إذن أن هناك من الفلاسفة من يرى أن معرفة الغير ممكنة وتتم عبر
التعاطف معه والإقبال عليه، في حين يرى البعض الآخر أن معرفة الغير غير
ممكنة إما لوجود فاصل وحاجز بينه وبين الأنا أو لصعوبة النفوذ إلى أعماق
الغير وتجاربه الذاتية حتى من خلال التعاطف معه.
و إذا كانت معرفة الغير تتطلب مني الدخول في علاقة معه، فما هي طبيعة هذه
العلاقة التي يجب أن تربطني به؟ وهل لهذه العلاقة تأثير على محاولة معرفتي
به؟
طريقة مقالة في معالجة مضمون النصالكشف عن المشكل الذّي تمثّل أطروحة النص حلاّ له.
و يكون ذلك إمّا:
بشكل مباشر: " ما هو السّؤال الذّي تقدّم الأطروحة حلاّ له ؟ ".
بشكل غير مباشر: " ما هي الأفكار و المواقف المعارضة لأطروحة النّص ؟ إذا
كانت الأطروحة خاطئة، فما هو الموقف البديل الذّي يمكننا إثباته ؟ ألا
يمكن البرهنة على صحّة أطروحة مناقضة لأطروحة النّص ؟ ". بالاستناد إلى
الإجابات التّي نقدّمها عن هذه الأسئلة، نحاول البحث عن السّؤال الذّي
يمكن أن يقبل، كإجابات ممكنة عنه، في نفس الوقت، أطروحة النّص من جهة و
الأطروحات المناقضة لها من جهة أخرى.
استخراج الإشكاليّة بطريقة غير مباشرة يقتضي تشكيل مفارقة تحتوي مواجهة بين أطروحات متضادّة.
الكشف عن أطروحة النّص:
تبيّن الحلّ الذّي يقترحه الكاتب لتجاوز مشكل معيّن
" ماذا يثبت الكاتب ؟ ماذا يطرح ؟ عن ماذا يدافع ؟ ما هي الفكرة التّي
يريد التّوصّل إليها ؟ بماذا يريد إقناعنا ؟ ماذا يريد أن يفهمنا ؟ ما هي،
في آخر الأمر، الفكرة الأشدّ أهمّية و حضورا في النّص ؟ "
تمثّل الحلّ أو الإمساك ب: أطروحة النّص و الوسائل التّي استعملها الكاتب في عمليّة الإثبات و البرهنة.
التّساؤل عن قيمة الأطروحة:
ينبغي إذن، بصفة إجماليّة، أن نقوم بالبرهنة ( و ليس فقط بالإقرار ) على
أنّ أطروحة النّص أكثر قيمة من جملة الآراء المعارضة لها. أو بتوضيح كيف
أنّ أطروحة النّص محدودة و نسبيّة ( إمكان نقدها ) و ثانيا إبراز دواعي
استبدالها بأخرى. و يمكن أن نقوم بهذه العمليّة النّقديّة في رحلتين:
النّقد الدّاخلي للنّص: الكشف عن مواطن ضعفه و إثارة الانتباه إلى بعض
المقاطع التّي تغيب فيها الدقّة اللاّزمة و الوقوف على وجود بعض
الافتراضات اللاّ مبرهن عليها أو حتّى الخاطئة الخ.. و يكون ذلك أيضا
بتبيان الإستتباجات السّلبيّة للحلّ الذّي يقدّمه النّص.
النّقد الخارجي للنّص: و يكون بمواجهة أطروحة النّص بأطروحة أخرى مناقضة
يقع البرهنة عليها ( من المستحسن أن تكون مستمدّة من مرجعيّة فلسفيّة
معروفة، معاصرة لكاتب النّص أو لاحقة له ).و لا يجب، في هذا المجال، إهمال
النّص و لا الإشكال الذّي يطرحه.
الخاتمة:
تكون ذلك بحوصلة كلّ الأفكار الهامّة التّي انتهى إليها جوهر الموضوع تحليلا و تقييما و تقديم إجابة تبعا للنتائج المتوصل إليها .
شرح المقولة التالية...... تكمن صلاحية النظرية العلمية في اجتيازها الناجح لاختبار التحقق التجريبي
الأصل اللاتيني لكلمة تفسير يعني تعرية الواقع من المظاهر التي تحجبه لرؤيته مباشرة وجها لوجه
[بيد أن ] ملاحظة الظواهر الفيزيائية لاتضعنا أمام واقع يختبئ خلف المظاهر
الحسية، بل أمام هذه المظاهر نفسها منظورا إليها من زاوية خاصة وملموسة.
والقوانين التجريبية لاتستهدف [حقيقة] الواقع المادي،بل هذه النظاهر نفسها
لكن بشكل مجرد وعام
لو قبلنا أن النظرية الفيزيائية تفسير، فلن تبلغ هذه النظرية هدفها مالم
تزح جانبا كل المظاهر الحسية لتمسك بالواقع الفيزيائي [الحقيقي[ وهكذا
فأبحاصث نيوتن حول تشتت الضوء مثلا إن اعتبار النظرية
الفيزيائية كتفسير افتراضي للواقع المادي يترتب عنه جعل هذه النظرية تابعة
للميتافيزيقا ، وبذلك فعوضا عن إعطائها شكلا تقبله مجموعة كبيرة من
المفكرين، فإننا نجعل القبول مقتصرا على أو لئلك الذين يعترفون بالفلسفة
التي تدعي هذه النظرية الفيزيائية الانتماء إليها ألا يمكننا أن نعين
للنظرية الفيزيائية موضوعا تصبر بمقتضاه مستقلة آعن كل ميتافيزيقا ؟ ألا
يمكننا ، لبناء نظرية فيزيائية، إيجاد منهج مكتف بذاته ؟ إن النظرية
الفيرياثية ليست تفسيرا . إنها نسق من القضايا الرياضية المسنبئطة من عدد
قليل من المبادئ، غايتها أن تمثل تماما وببساطة، وبصورة صحيحة، ما أمكن
ذلك، مجموع القوانين التحريية. ولتدقيق هذا التعريف نقوم بتحديد خصائص
العمليات المتتالية الأربع التي تكون النظرية الفزيائية : ا . من بين
الخصائص الفيزيائية التي نقترح عرضها ، نختار تلك التي ننظر إليها كخصائص
بسيطة والتي من المفروض أن تكون الخصائص الأخرى عبارة عن تجميعات
أوتركيبات لها . وسنقابلها ، وذلك باستعمال طرق قياس ملآثمة، بما يناسبها
من رموز رياضية، وأعداد، ومقادير. هذه الرموز الرياضية ليست لها أية علاقة
طبيعية مع الخصائص التي تمثلها ، وانما لها معها علاقة دال بمدلول،
وبواسطة طرق القياس يمكننا أن نقابل كل حالة فيزيائية بقيمة للرمز الممثل
لها والعكس بالعكس. 2 . نربط بين مختلف أنواع المقادير التي أدخلت هكذا
بواسطة عدد قليل من القضايا تسختدم كمبادئ لاستئنطاتها ، هذه المبادئ يمكن
تسميتها فرضيات، بالمعنى الأصلي للكلمة، لأنها في الحقيقة أسس سيقوم عليها
بناء النظرية . لكنها لا تدعي بأي حال من الأحوال التعبير عن العلاقات
الحقيقية بين الخصائص الواقعية للأجسام. هذه القضايا يمكن إذن أن توضع
بطريقة اعتباطية. والحاجز الوحيد الذي لا يمكن تخطيه مطلقا هو التناقض
المنطقي إما بين حدود نفس الفرضية، واما بين مختلف فرضيات نفس النظرية. 3
. إن مختلف مبادئ وفرضيات نظرية ما تتركب فيما بينها حسب قواعد الاستنباط
الرياضي، وخلال هذه العملية لا يكون العالم الفيزيائي مطالبا إلا بإرضاء
مقتضيات المنطق الجبري. إن المقادير التي تقع عليها حسابات العالم
الفيزيائي المذكور لا تدعي بتاتا أنها وقائع فزيائية، والمبادئ التي يستند
إليها في استنباطاته لا يمكن أخذها على أنها تعبير عن علاقات حقيقية بين
هذه الوقائع. فغير مهم إذن أن تكون العمليات التي ينجزها تتناسب أولا
تتناسب مع التغييرات الفزيائية الواقعية وهكذا فالنظرية الصحيحة ليست كك
التي تعطي عن المظاهر الفيزيائية تفسيرا مطابقا للواقع، بل النظرية
الصحيحة هي التي تعبر بطريقة مرضية عن مجموعة من القوانين التجريبية.
والنظرية الفاسدة ليست محاولة تفسيرية معتمدة على فرضيات مناقضة للواقع،
بل هي عبارة عن مجموعة قضايا لا تتوافق مع القوانين التجريبية إن الاتفاق
مع التجربة يشكل بالنسبة للنظرية الفيزيائية المعيار الوحيد للحقيقة. إن
التعريف الذي قمنا بعرضه بصفة مجملة يميز في النظرية الفيزيائية أربع
عمليات أساسية. 1 . تعريف المقادير الفيزيائية وقياسها . 2 . اختبار
الفرضيات. 3 . الاستنتاجات الرياضية من النظرية. 4 . مقارنة النظرية
بالتجربة. 4 . إن
مختلف النتائج التي استخرجناها هكذا من الفرضيات يمكن ترجمتها إلى ما
يناسبها من أحكام تتعلق بالخصائص الفزيائية للأجسام ؛ والمناهج الخاصة
بتعريف وقياس هذه الخصائص الفيزيائية تكون بمثابة اللغة أو المفتاح الذي
يسمح بتلك الترجمة، هذه الأحكام نقارنها مع القوانين التجريبية التي تروم
النظرية تمثيلها ، فإذا توافقت الأحكام مع القوانين تكون النظرية قد أصابت
هدفها وأثبتت صلاحيتها ، والا كانت غير صالحة ومن ثم وجب تعديلها أو رفضها
.
مقولات فلسفية . تساعدك في صياغة و كتابة مقالك................للمراجعة و الحفظ في المنهج التجربيبي
"كلود برنارد" يركز على دور التجربة والملاحظة لبناء المعرفة العلمية مع
الالتزام بخطوات المنهج التجريبي(الملاحظة ثم الفرضية فالتجربة).
"روني طوم" التجربة تحتاج إلى العقل والخيال، ويتجلى دور العقل في بناء
المعرفة من خلال صياغة الفرضية، مع إمكانية القيام بتجارب ذهنية.
"ألبير انشتاين" العقل مصدر المعرفة العلمية وذلك لأنه ينتج مبادئ وأفكار، وتبقى التجربة بمثابة أداة مساعدة لإثبات صدق النظرية.
"غاستون باشلار" تعد المعرفة العلمية نتيجة تكامل عمل كل من العقل
والتجربة، العقل ينتج أفكارا وتصورات، تعمل التجربة على استخلاص المعطيات
الحسية.
"بيير تويلي" تعدد التجارب والاختبارات في وضعيات مختلفة، يضفي الانسجام
على النظرية كما ينبغي على النظرية أن تخضع لمبدأ التماسك المنطقي.
"كارل بوبر" لكي تكون النظرية علمية ينبغي أن تخضع لمعيار القابلية للتكذيب وذلك بوضع افتراضات تبين مجال النقص في النظرية.
في العلوم الإنسانية
"جون بياجي" يواجه الباحث في العلوم الإنسانية مشكل تحديد المنهج المناسب
إلى جانب التخلص من الذاتية، و ينتج عن هذا الوضع المتداخل صعوبة تحقيق
الموضوعية.
"فرانسوا باستيان" يؤكد على ضرورة الفصل بين الذات والموضوع والالتزام
بالحياد، وذلك بتأمل الظواهر باعتبارها أشياء ويقتدي بالعلوم التجريبية.
"ك. ل. ستراوس" البحث في مجال العلوم الإنسانية لا يستطيع أن يصل إلى
تفسير دقيق للظواهر، كما لا يستطيع أن يصل إلى تنبؤ صحيح بما ستكون عليه.
"فلهلم دلتاي" يرفض تقليد العلوم التجريبية كما يرفض اعتماد التفسير في
دراسة الظواهر الإنسانية، و يؤكد على ضرورة بناء منهج يناسب الظواهر
الإنسانية.
"ورنيي - طولرا" إن العلوم الإنسانية لا يمكنها أن تصل إلى معرفة حقيقية
للظواهر الإنسانية إلا بهذا التداخل بين الذات و الموضوع، فلا ينبغي ألا
تطغى هذه الذاتية على البحث فتغير من نتائجه و تأول دلالته.
"م. ميرولو بونتي" كل إنسان ينطلق من وجهة نظره الخاصة ومن فهمه الخاص إن حضور الذات مركزي في تكوين كل معارف الإنسان.