مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية
الأسئلة : إذا كنت أمام موقفين متعارضين أحدهما يقول الرياضيات فيأصلها البعيد مستخلصة من العقل والأخري تقول : الرياضيات مستمدة من العالمالحسي . وطلب منك الفصل في المشكلة فما عساك تصنع ؟
سؤال : هل المعاني الرياضية موجودة في النفس أو أوحت بها بعض مظاهر الطبيعة
المقدمة : طرح الإشكالية
تنقسم العلوم إلي قسمين علوم تجريبية مجالها المحسوسات ومنهجهاالاستقراء كالفيزياء وعلوم نظرية مجالها المجردات العقلية ومنهجهاالاستنتاج كالرياضيات هذه الأخيرة أثارة جدلا حول أصل مفاهيمها ومبادئهافإذا كنا أمام موقفين أحدهما أرجع الرياضيات إلى العقل والأخر ربطهابالتجربة فالمشكلة المطروحة : هل المعاني الرياضية مستخلصة من أصلهاالبعيد من العقل أو التجربة ؟
التحليل: محاولة حل الإشكالية
عرض الأطروحة الأولي
يرى العقليون ( المثاليون ) أن المفاهيمالرياضية مستخلصة من أصلها البعيد من العقل وهي فطرية قائمة في النفسوهكذا الرياضيات بناء استدلالي والاستدلال نشاط عقلي فينتج عن ذلك أنالمفاهيم والمبادئ الرياضية من طبيعة عقلية , هذا ما ذهب إليه أفلاطون الذي قال في كتابه الجمهورية << عالم المثل مبدأ كل موجود ومعقول أن المعرفة تذكر >> وأكد أفلاطون في محاورة مينوت أن البعد قادر على أن يكشف بنفسه كيفية وإنشاء شكل مساوئ مربع معلوم ومن دعاة هذه الأطروحة ديكارت الذي قال في كتابه التأملات << المعاني الرياضية أفكار فطرية أودعها الله فينا منذ البداية>> وهميبررون موقفهم بحجج متنوع من أهمها الرموز الجبرية اللانهائية مفاهيمرياضية لا صلة لها بالواقع الحسي كما أنها تتصف بثلاثة خصائص, مطلقة , ضرورية , كلية, فلا يعقل أن تنتج عن العالم الحسي وتعود هذه الأطروحة إلى كانط الذي ربط المعرفة بما فيها الرياضيات , بمقولتين فطريتين هما الزمان والمكان أي أن الرياضيات في أصلها معاني فطرية لأنها شيدت على أسس فطرية فالمفاهيم الرياضية في أصلها البعيد مستمدة من العقل .
النقد :
هذه الأطروحة نسبية لأنه لو كانت المفاهيم الرياضية فطرية مغروسة فيالنفس لتساوى في العلم بها جميع الناس لكن الأطفال لايدركون المفاهيمالرياضية إلا من خلال المحسوسات
عرض الأطروحة الثانية
يرى التجريبيون ( الحسويون ) أن المعانيالرياضية مصدرها التجربة أي المفاهيم الرياضية إذا تم تحليلها فإنها ستعودإلى أصلها الحسي ومثال ذلك أن رؤية النجوم أوحت بالنقاط والقمر يرتبطبفكرة القرص لذلك قال الحسيون << العقل صفحة بيضاء والتجربة تكتب عليه ماتشاء >> وهم يبررون موقفهم بما توصل إليه العلماء الأنتروبولوجياالذين أكدوا أن الشعوب البدائية إستعملت الحصى وأصابع اليدين والرجلين عندحساب عدد الأيام والحيوانات التي يمتلكونها ومواسم السقي المحاصيلالزراعية مما يثبت أن المفاهيم الرياضية أصلها حسي ليس هذا فقط إنالمفاهيم الهندسية كالطول والعرض إنما هي مكتسبة بفضل الخبرة الحسية لذلكقال ريبو<< حالة الشعور التي ترافق بعض أنواع الحركات العضلية هي الأصل في إدراكنا للطول والعرض والعمق >> ومنأدلتهم أيضا أن الهندسة تاريخيا هي أسبق في الظهور من الحساب والجبر والسرفي ذلك أنها مرتبطة بالمحسوسات ولو كانت المفاهيم الرياضية في أصلهامجردات عقلية لظهور الجبر قبل الهندسة كل ذلك يثبت أن المفاهيم الرياضيةأصلها حسي
النقد:
صحيح أن بعض المفاهيم الهندسية أصلها حسي لكن أكثر المفاهيم الرياضية الجبر لا علاقة لها بالواقع الحسي.
التركيب: الفصل في المشكلة
لاشك أن المعرفة جهد إنساني ومحاولة جادة لفهم مايحيط بنا من أشياءوإجابتك على مايدور في عقولنا من جهد وبناء مستمر وهذا مايصدق علىالرياضيات وكحل توفيقي لأصل المفاهيم الرياضية نقول الرياضيات بدأت حسيةثم أصبحت مجردة وهذا ما وضحه جورج سارتون بقوله << الرياضيات المشخصة هي أول العلوم نشوءا فقد كانت في الماضي تجريدية ثم تجردت وأصبحت علما عقليا >> وذات الحل التوفيقي ذهب إليه عالم الرياضيات غونزيت الذي أكد < تلازم ماهو حسي معا ماهو مجرد في الرياضيات >
الخاتمة : حل الإشكالية
وخلاصة القول أن الرياضيات علم يدرس المقدار القابل للقياس بنوعيهالمتصل والمنفصل وقد تبين لنا أن المشكلة تدور حول أصل المفاهيم الرياضيةفهو هناك من أرجعها إلى العقل وأعتبرها فطرية وهناك من أرجعها وربطها علىأساس أنها حسية نستنتج أن مصدر المفاهيم الرياضية هو تفاعل وتكامل القولمع التجربة